إذا لم يكن الأمر كذلك, فكيف نفسر العزم الجامح بجهة تدمير المدرسة العمومية (هي المقدسة بفضاءات أخرى, ومكمن المواطنة والمساواة بامتياز) بتقدم المدارس الخاصة التي تشجع, تعفى من الضرائب, ويدفع بالطلب لأن يتزايد عليها؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك, فما معنى أن يدفع الآلاف من العوائل (العاملة بقطاع التعليم العمومي) بأبنائهم للقطاع الخاص, كما لو أن لسان حالهم يقول: نحن أدرى بفشل القطاع العام, الأولى بنا أن ندفع بأبنائنا للقطاع الخاص, المخلص من الفشل المحتم والمحقق.
+ أما الحقيقة الثالثة التي تجاهلها التقرير (أو لا تدخل بصلب اهتماماته) فتتعلق بهيمنة سلطة التكنوقراط على سلطة السياسة بالمغرب, لدرجة انصياع الثانية للأولى, وانحنائها أمامها شكلا ومضمونا.
وهيمنتهم على السياسة لا تتأتى فقط من كونهم باتوا حكام مناطق وجهات البلاد دون منازع, بل وتتأتى أيضا من سمو مقامهم لدى رأس الدولة, لدرجة اتخاذ العديد منهم كمستشارين, أو كأعضاء بلجن "تنير" صاحب القرار الأول, وتزوده بالتقارير.
إن الذي صاغ ميثاق التربية والتكوين مستشار للملك مميز, خريج مدرسة تقنية بالغرب, غير محزب, ولا يدعي تعاطفه مع هذا التيار السياسي أو ذاك. هو بالتالي معين, غير منتخب, صاغ "تصورا" لقي الرضا, فعمد إلى تنفيذه, ولم يفرز بلغة التقرير, إلا "الإخفاق والفشل".
هل من المعقول, بهذه الحالة, أن يعمد إلى تكليف تكنوقراطي ضيق الأفق بحكم التكوين, أحادي النظرة بحكم "الثقافة التقنية", أن يصوغ ميثاقا يرهن حاضر المغرب ومستقبله؟ هل من المعقول أن يتم التجاوز على الحكومة وعلى البرلمان (دع عنك خطابات "التوافق المكرورة والماسخة) ليسلم مصير قطاع التعليم لرجل لا سبيل لمحاسبته, أو مساءلته, أو معاتبته, مجرد العتاب, هو المتخفي دوما خلف الجهة التي يعمل تحت إمرتها, أعني التي تحدد له الإطار, وترسم له السقف المتاح؟
كنت دائما ولا أزال مؤمنا بضرورة إخضاع التكنوقراطي للسياسي, لا لتحامل محدد من جانبي على الأول, ولكن بسبب أنه قد يتقن تصميم القناطر والمطارات, أو ترميم الطرق وخطوط الهاتف, لكنه لا يصلح ولا من صلاحياته, التعاطي مع الشأن العام إلا من باب صياغة دفاتر التحملات, وتنفيذ توجهات السياسي. أما أن يتحول إلى مصدر من مصادر القرار, فهذا لن يكون من شأنه إلا إفراز الفشل والإخفاق.
قد يكون تقرير البنك الدولي قد نجح في تشخيص واقع حال قائم نعرفه, لكنه بحكم التخصص ربما, تجاهل عن قصد سلوك فاعلين سياسيين, رتبوا بدقة كي لا تخرج منظومة التربية والتكوين قيد أنملة, عن منطوق الفشل...سيان عندهم أقضم ذلك الملايير من المال العام, أم خلق مآسي حقيقية للآلاف من العوائل, التي لغمت كل المنافذ من أمامها ومن خلفها.
لست متأكدا حقا, والحالة هاته, من أن معيار الفشل والنجاح دقيق بهذا الباب, كما بغيره من الأبواب... بمغرب الفشل المستدام والإخفاق اللامتناهي.
يحيى اليحياوي
الرباط, 11 فبراير 2008